تبال الهدايا بين ر ؤساء الدول تقليد قديم ، وقد عرفته الدولة الاسلامية منذ قيامها في عصر النبوة ، وكان النبي صلي الله عليه وسلم يهدي الي الوفود التي تاتي اليه ويتقبل الهدايا من رؤساء الدول فقد اهدي اليه المقوقس ــ حاكم مصر ــ كثير من الهدايا ( انظر السيوطي ــ حسن المحاضرة ــ 1/48 ) منها جاريتان ، هما مارية القبطية التي تسري النبي بها ، وانجب منها ابنه ابراهيم ، واختها سيرين ، التي اهداها الي شاعره حسان بن ثابت ، وكان يحث اصحابه علي التهادي فيما بينهم ومن اقواله في ذلك ( تهادوا تحابوا ) ويروي انه كان من اخر نصائحه لا صاحبه قوله : ( اجيزوا الوفد بمثل ما كنت ا جيزهم به ) يعني اعطوا الوفود التي تاتي اليكم هدايا كما كنت افعل ، وهذا التوجيه موجه لمن يلي الامر من بعده ؛ اي الي الخليفة رئيس الدولة .
وقد درج الخلفاء علي هذا التقليد وحافظوا عليه ، بل من الطريف ان زوجات الخلفاء كن يبعثن الهدايا الي زوجات الاباطرة ، فقد روي الطبري ( 4/260) ان عمر بن الخطاب ارسل وفدا الي القسطنطينية ، الي الامبراطور هرقل ، في امر يخص العلاقات بين الدولتين ، فبعثت ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب التي كانت زوجة لعمر الي زوجة الامبراطور بعض الهدايا منها الطيب واشياء اخري تخص النساء ، سماها الطبري ــ اخفاش من اخفاش النساء ــ دسته الي الوفد وامرت بتسليمه اليها ، فلما وصلت هدايا ام كلثوم الس زوجة الامبراطور فرحت بها ، وجمعت زوجات كبار رجال الدولة ، واعطتهن منها وقالت لهن : اشرن علي في هدية جائتي من بنت نبي العرب وزوجة اميرهم ، فاشرن عليها ان تكون هديتها الي ام كلثوم غاليه وثمينة ، فبعثت اليها بهدايا كثيرة ، كان فيها عقد فاخر ، من الاحجار الكريمة[، فلما عاد الوفد الاسلامي الي عمر بن الخطاب ، وراي العقد سال عنه ، فاخبروه الخبر ، فدعا الناس الي صلاة جامعة في مسجد الرسول ، وخاطبهم قائلا :
( لاخير في امر ابرم عن غير شوري من اموري ، قولوا في هدية اهدتها ام كلثوم لامراة ملك الروم ، فاهدت لها امراة ملك الروم . فقال قائلون : هو لها بالذي لها ــ يعني هدية بهدية ــ وليست امراة الملك بذمة لك فتصانع ،ولا تحت يدك فتتقيك ، فقال : لكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم ....... فامر برده ــ العقد ــ الي بيت مال المسلمين ورد عليها ــ ام كلثوم ــ بقدر نفقتها )
اي ان سيدنا عمر رأي ان الخيول التي حملت الهدايا ملك للدولة ، والرجال الذين اوصلوها موظفين في الدولة ، ولا ينبغي ان تستخدمهم زوجته في اغراض شخصية ، ولذلك صادر العقد ، ووضعه في بيت مال المسلمين ،وعوضها عن قيمة هداياها ، التي كانت بسيطة يسيرة ، ودلالة هذه القصة علي نزاهة الخليفة واهل بيته عن المال العام جلية ظاهرة ، وهي ايضا دلالة علي ان الاسلام يحبذ العلاقات الودية بين المسلمين وجيرانهم ، ولا يمانع في تبادل الهديا معهم .
ومن الجدير بالذكر ان الخليفة العظيم عمر بن الخطاب لم يتعرض الي ماقامت به زوجته من الاتصال بزوجة الامبراطور ، وتبادل الهديا معها ــ ولم يعترض عليه ــ وانما كان تصرفه برد الهديا الثمينة الي بيت المال ، لفرط حساسيته نحو المال العام .
انظر كتاب : بحوث في السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي
للاستاذ الدكتور : عبدالشافي محمد عبداللطيف
ص 312
عبدالله نبيل
وقد درج الخلفاء علي هذا التقليد وحافظوا عليه ، بل من الطريف ان زوجات الخلفاء كن يبعثن الهدايا الي زوجات الاباطرة ، فقد روي الطبري ( 4/260) ان عمر بن الخطاب ارسل وفدا الي القسطنطينية ، الي الامبراطور هرقل ، في امر يخص العلاقات بين الدولتين ، فبعثت ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب التي كانت زوجة لعمر الي زوجة الامبراطور بعض الهدايا منها الطيب واشياء اخري تخص النساء ، سماها الطبري ــ اخفاش من اخفاش النساء ــ دسته الي الوفد وامرت بتسليمه اليها ، فلما وصلت هدايا ام كلثوم الس زوجة الامبراطور فرحت بها ، وجمعت زوجات كبار رجال الدولة ، واعطتهن منها وقالت لهن : اشرن علي في هدية جائتي من بنت نبي العرب وزوجة اميرهم ، فاشرن عليها ان تكون هديتها الي ام كلثوم غاليه وثمينة ، فبعثت اليها بهدايا كثيرة ، كان فيها عقد فاخر ، من الاحجار الكريمة[، فلما عاد الوفد الاسلامي الي عمر بن الخطاب ، وراي العقد سال عنه ، فاخبروه الخبر ، فدعا الناس الي صلاة جامعة في مسجد الرسول ، وخاطبهم قائلا :
( لاخير في امر ابرم عن غير شوري من اموري ، قولوا في هدية اهدتها ام كلثوم لامراة ملك الروم ، فاهدت لها امراة ملك الروم . فقال قائلون : هو لها بالذي لها ــ يعني هدية بهدية ــ وليست امراة الملك بذمة لك فتصانع ،ولا تحت يدك فتتقيك ، فقال : لكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم ....... فامر برده ــ العقد ــ الي بيت مال المسلمين ورد عليها ــ ام كلثوم ــ بقدر نفقتها )
اي ان سيدنا عمر رأي ان الخيول التي حملت الهدايا ملك للدولة ، والرجال الذين اوصلوها موظفين في الدولة ، ولا ينبغي ان تستخدمهم زوجته في اغراض شخصية ، ولذلك صادر العقد ، ووضعه في بيت مال المسلمين ،وعوضها عن قيمة هداياها ، التي كانت بسيطة يسيرة ، ودلالة هذه القصة علي نزاهة الخليفة واهل بيته عن المال العام جلية ظاهرة ، وهي ايضا دلالة علي ان الاسلام يحبذ العلاقات الودية بين المسلمين وجيرانهم ، ولا يمانع في تبادل الهديا معهم .
ومن الجدير بالذكر ان الخليفة العظيم عمر بن الخطاب لم يتعرض الي ماقامت به زوجته من الاتصال بزوجة الامبراطور ، وتبادل الهديا معها ــ ولم يعترض عليه ــ وانما كان تصرفه برد الهديا الثمينة الي بيت المال ، لفرط حساسيته نحو المال العام .
انظر كتاب : بحوث في السيرة النبوية والتاريخ الاسلامي
للاستاذ الدكتور : عبدالشافي محمد عبداللطيف
ص 312
عبدالله نبيل