AL-EMAN 93

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى حتلاقي فيه كل اللى بتحلم بيه


2 مشترك

    اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث

    avatar
    عبدالله نبيل
    عضو متميز
    عضو متميز


    ذكر
    عدد الرسائل : 68
    العمر : 41
    تاريخ التسجيل : 10/05/2008

    اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث Empty اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث

    مُساهمة من طرف عبدالله نبيل الأحد مايو 11, 2008 11:17 pm




    بسم الله الرحمن الرحيم

    ثورة عبد الرحمن بن الأشعث 81 / 83 هــ
    هذه واحدة من الثورات العديدة التي قام بها أهل العراق ضد الدولة الأموية ، ولم يكن نشوبها علي أساس مذهبي كما هو الحال بالنسبة لثورات الخوارج والشيعة ، بل دفع إليها الكراهية المتبادلة بين قائدها وبين والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي .
    وقائد هذه الثورة هو عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي ، رئيس قبيلة كندة واحد زعماء الكوفة الذي استغل العداء المتأصل والحقد الدفين الذي يكنه أهل العراق للدولة الأموية ، فأشعل هذه الثورة العارمة التي كانت من اخطر الثورات التي واجهها عبد الملك بن مروان .
    وبدأت هذه الثورة من إقليم سجستان ، ذلك الإقليم الذي اتعب الأمويين ، وكان كثير الانتقاض ، والتمرد عليهم ( البلاذري ــ فتوح ــ 488 ــ 492 ) فلما كانت ولاية الحجاج بن يوسف علي العراق 75ــ 95 هـ صبر علي مضض علي تجاوزات رتبيل ملك سجستان ضد الدولة ، واستغلاله الظروف الصعبة التي كانت تمر بها ، ومنعه الجزية ، فلما انتهت مشاكل العراق الخطيرة ، وكسرت شوكة الخوارج سنة 78 هـ . قرر الحجاج أن يؤدب رتبيل فأرسل إليه جيشا سنة 79 هـ بقيادة عبيد الله بن اين بكرة ، وأمره أن يتوغل في سجستان ويدك قلاع رتبيل وحصونه ، وقد فعل
    عبيد الله ما أمر الحجاج وتوغل في البلاد وأصاب كثيرا من الغنائم ، إلا أن رتبيل خدعه حيث تظاهر بالهزيمة أمامه ثم أطبق عليه واخذ عليه العقاب والشعاب وقضي علي معظم جيشه . ومات عبيد الله بن أبي بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم .
    ( انظر المصدر السابق 491 والطبري 6/322 ــ 324 )
    كان لهزيمة هذا الجيش وقع اليم في نفس الحجاج ، بل في نفس عبد الملك نفسه ، الذي كلف الحجاج بتجريد جيش كبير للانتقام من رتبيل ، فسارع الحجاج في إعداد جيش كبير بلغ عدده أربعين ألفا ، وبالغ الحجاج في تجهيزه بالخيول الروائع والسلاح الكامل ( علي حد تعبير الطبري 6/327 وابن الأثير ـ الكامل ـ 4/454 ) ، وبلغ من فخامة الجيش أن سماه الناس جيش الطواويس ( الطبري 6/329 ) واسند الحجاج قيادته إلي عبد الرحمن بن الأشعث الذي لم تكن علاقته به علي ما يرام ، بل كان كل منهما يحمل الكراهية للآخر ، ويتمني الخلاص منه . فكان الحجاج يقول عن ابن الأشعث : ( ما رأيته قط إلا أردت قتله ــ الطبري 6/327 ــ ) وكان عبد الرحمن بن الأشعث يتحدث علانية انه يحاول أن يزيل الحجاج عن سلطانه . وكان يتعالى عليه ويشمخ بأنفه باعتباره سليل الملوك من قبيلة كندة ، وكان يعز عليه أن يكون خاضعا لسلطان احد ( د: ثابت الراوي ــ العراق في العصر الأموي 206) ولقد أدرك عمه إسماعيل بن الأشعث منه ذلك وكان يخشى خلافه وخروجه علي الحجاج فنصحه بعدم إسناد قيادة هذا الجيش إليه ، وقال له : ( لا تبعثنه فإني أخاف خلافه ، والله ما جاز جسر الفرات قط فرأي لوال من الولاة طاعة وسلطانا ــ الطبري 6/328 ــ )
    ولكن يبدوا أن الحجاج خانه ذكاؤه هذه المرة ، أو كان مفرطا في ثقته بنفسه ، فلم يسمع نصيحة إسماعيل ورد مستخفا بعبد الرحمن ، فقال : ( هو لي أهيب وفي ارغب من أن يخالف أمري ، أو يخرج عن طاعتي (الطبري 6/328 )
    مضي عبد الرحمن بهذا الجيش العظيم إلي سجستان لتأديب رتبيل ، وكان ذلك في سنة 80هـ ، فلما بلغته الأخبار ، كتب إلي عبد الرحمن يعتذر إليه مما حل بالمسلمين في بلاده ويطلب الصلح ، ولكن عبدالرحمن لم يقبل واخذ يتوغل في بلاده ، وهنا حاول رتبيل أن يكرر مع عبدالرحمن ما صنعه مع عبيد الله بن أبي بكرة ، فاخذ عبدالرحمن يخلي البلاد والحصون أمامه ليوقعه في شرك ، ولكن ابن الأشعث فطن إلي ذلك ، وكان كما يقول الطبري :
    ( كلما حولي بلدا بعث إليه عاملا ، وبعث معه أعوانا ، ووضع البرد فيما بين كل بلد وبلد ، وجعل الأرصاد علي العقاب والشعاب ، ووضع المسالح من البقر والغنم والغنائم العظيمة ، حبس الناس عن الوغول في ارض رتبيل ، وقال :
    نكتفي بما أصبناه العام من بلادهم ، حتى نجبيها ونعرفها ، ويجترئ المسلمون علي طرقها ، ثم نتعاطى في العام المقبل ما وراءها ، ثم لم نزل ننتقصهم في كل عام طائفة من أرضهم حتى نقاتلهم آخر ذلك علي كنوزهم وذراريهم ، وفي أقصي بلادهم وممتنع حصونهم ، ثم لا نزايل بلادهم حتى يهلكهم الله ) ( الطبري 6/329 ــ ابن الأثير ــ الكامل 4/455 )
    أوردت هذا النص الطويل من الطبري ، لأنه يبين بوضوح خطة عبدالرحمن ، في حرب رتبيل وهي خطة سديدة وعملية ، وتدل علي ذكاء وحنكة وتجربة ، وقد كتب إلي الحجاج بما حققه من فتوحات وبخطته التي اعتزم تنفيذها .
    ولكن الحجاج لم يعجبه ذلك ورد عليه ردا قاسيا اتهمه فيه بالضعف ، حيث قال له :
    ( أما بعد فان كتابك أتاني ، وفهمت ما ذكرت فيه ، وكتابك كتاب امرئ يحب الهدنة ، ويستريح إلي الموادعة ، قد صانع عدوا قليلا ذليلا ، قد أصابوا من المسلمين جندا كان بلاؤهم حسنا ، وغناؤهم في الإسلام عظيما ، لعمرك يا ابن أم عبدالرحمن ، انك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخي النفس عمن أصيب من المسلمين ، إني لم اعدد رأيك الذي زعمت انك رايته رأي مكيدة ، ولكني رأيت انه لم يحملك عليه الا ضعفك ، والتياث رأيك ، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم ، والهدم لحصونهم ، وقتل مقاتلهم ، وسبي ذراريهم ) ( المصدران السابقان 6/335، 4/461 ) .
    أحس بن الأشعث بالإهانة من مخاطبة الحجاج له بهذا الأسلوب العنيف ، والحق معه في ذلك ، فالحجاج وقد عهد إليه بهذه المهمة الخطيرة ، وفي هذا الإقليم البعيد كان يجب أن تكن ثقته فيه كاملة ، وان يشجعه بدلا من ان يعنفه ، فهو الذي يعاني الحرب ، واقدر علي تكييف موقفه وظروفه من الحجاج البعيد عن الميدان ، ولو كان ضعيف الرأي يحب الموادعة ــ كما يقول عنه الحجاج ــ لكان الحجاج نفسه قد ارتكب خطأ فاحشا في أن يعهد بمثل هذا العمل الخطير إلي رجل ضعيف الرأي ، فالحرب لا يصلح لها من تكون هذه صفته .
    ولم يكتف الحجاج بهذا الكتاب القاسي ، وإنما اردفه بكتابين آخرين ، يتضمنان نفس المعاني ، بل هدده في الثاني منهما بالعزل ، حيث قال له :
    ( أما بعد فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم ، وإلا فإسحاق ابن محمد أخوك أمير الناس ، فخله وما وليته ) ( المصدران السابقان نفس الجزء والصفحة)
    أحدث هذا الكتاب أثرا أليما في نفس ابن الأشعث ، فجمع كبار جنده ، وهو في ثورة الغضب ،وقال لهم :
    ( أيها الناس إني لكم ناصح ، ولصلاحكم محب ،ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر ، وقد كان من رأيي فيما بينكم وبين عدوكم رأي استشرت فيه ذوي أحلامكم ، وأولي التجربة للحرب منكم ، فرضوه لكم رأيا ، ورأوه لكم في العاجل والآجل صلاحا ، وقد كتب إلي أميركم الحجاج ، فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني ، ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في ارض العدو ، وهي البلاد التي إخوانكم فيها بالأمس ، وإنما أنا رجل منكم ، امضي إذا مضيتم ، وابي إذا أبيتم ، فثار إليه الناس فقالوا :
    لا ، بل نأبى علي عدو الله ، ولا نسمع له ولا نطيع ) ( نفس المصدران والصفحة ) .
    · هنا ارتكب ابن الأشعث خطا قاتلا في حق الدولة ، بل في حق نفسه حيث جهر بأمر المكاتبات التي دارت بينه وبين الحجاج ، والتي كان يجب أن تكون في صدره وحده ، وإذا كان لابد من الاستشارة فكان عليه أن يختار عددا محدودا من أهل الرأي والحكمة ، يأخذ رأيهم في الطريقة التي يجب أن يتصرف بها ، وكان يمكنه أن يرسل وفدا علي نفس المستوي إلي الحجاج علي وجه السرعة ، ليشرحوا له موقفهم وخططهم ، أما اللجوء إلي استثارتهم ضد الحجاج ، وهو يعلم أنهم لا يحبونهم ، ويودون التخلص منه ، فعمل ليس من الأمانة في شئ .
    وما كاد أهل العراق يسمعون مقالة ابن الأشعث حتى قام خطباؤهم وشعراؤهم يعلنون سخطهم علي الحجاج ويعلنون خلعه ، ودعوه إلي البيعة ، فاستجاب علي الفور ، وقال لهم : ( تبايعوني علي خلع الحجاج عدو الله ، وعلي النصرة لي ، وجهاده حتى ينفيه الله من ارض العراق ، فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشئ )
    ( المصدران السابقان 6/336، 4/463 )
    · ومن هنا بدأ ما يسمي بثورة ابن الأشعث ، التي كانت من اخطر الثورات التي واجهها عبد الملك بن مروان .
    لقد انصفنا ابن الأشعث عندما ذكرنا انه كان علي حق اذ استاء من معاملة الحجاج معه ، ولكننا هنا نحمله مسؤولية الثورة كاملة ، فمهما كان من أمر الحجاج معه ، وكيفما كانت علاقته به ، فنحن هنا أمام مصلحة المسلمين ومصير الدولة ، فما كان يحق له أن يعلن الثورة عليها ، وهي التي عهدت إليه بهذا العمل الكبير ، ولكن يبدوا أن بذور الثورة كانت كامنة في نفسه ، وشجعه علي ذلك الاستجابة الفورية من جند العراق ، الذين كانت قلوبهم تنطوي علي حقد دفين علي الحجاج ، بل علي الدولة الأموية نفسها ، وشجعه أكثر استجابة الفقهاء الذين كانوا معه ، فقد كان في الجيش عدد كبير من كبار التابعين ، ذكر منهم خليفة بن خياط أكثر من عشرين رجلا منهم سعيد بن جبير ، وعامر بن شراحيل الشعبي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي ، والحسن بن أبي الحسن البصري .
    ويبدوا أن الحجاج قصد من إرسالهم مع الجيش أن يكون وجودهم حافزا للجند علي قتال الأعداء ، فإذا به يكون حافزا علي الثورة ، وعاملا من أهم عوامل تأجيجها
    ( وكان هؤلاء الفقهاء أو القراء لا يرون من الحجاج إلا الوجه المظلم ، كوال قاس طاغية مستبد ، ولم يقدروا الظروف التي كان يعمل فيها والتي ألجأته إلي هذه القسوة ، فالعهد كان عهد فتن وثورات وقلاقل في كل مكان . ولو وجد الحجاج في عهد استقرار وامن لربما رأي الناس منه غير ما رأوا ، فالرجل رغم كل شئ كان رجل تعمير وادراة وكان ينطوي علي لمحات إنسانية ظهرت في مواقف كثيرة . ولكن الفقهاء بروحهم المسالمة ينفرون من القسوة ويتصورون أن المشاكل كلها يمكن أن تحل بالوعظ والإرشاد وهذه نظرة مثالية للأمور ، من قوم لم يعانوا السياسة وضراوتها . )
    ويبدوا أن الحجاج قصد من إرسالهم مع الجيش أن يكون وجودهم حافزا للجند علي قتال الأعداء ، فإذا به يكون حافزا علي الثورة ، وعاملا من أهم عوامل تأجيجها لمكانتهم من الناس ، وثقتهم فيهم .
    فقد ذكر خليفة بن خياط انه ( قيل لابن الأشعث إن أحببت أن يقتلوا حولك ، كما قتلوا حول جمل عائشة فأخرج الحسن ) ( تاريخ خليفة بن خياط ص 286 ــ 287 ) .
    وهكذا انقلب كل شئ علي الحجاج ليؤدي إلي عكس ما يريد ، عزم ابن الأشعث علي الثورة إذن ، وبدلا من أن يمضي في مقاتلة رتبيل ملك سجستان ، ارتد ليقاتل الحجاج ، بل عقد اتفاقا مع رتبيل وصالحه علي انه إن انتصر علي الحجاج فسيعفيه من الخراج ، وان انهزم فعلي رتبيل أن يوفر له الملجأ والحماية . ( الطبري 6/33 )

    بلغت أخبار الثورة الحجاج فانزعج انزعاجا شديدا ، وكتب إلي عبدالملك بن مروان بالأمر ، وسأله أن يعجل بإرسال الجنود من الشام ، ولم يكن عبدالملك اقل انزعاجا من الحجاج لدي سماعه أخبار الثورة ، التي هزته ربما أكثر من جميع الأحداث التي مرت به حتى الآن .
    واستدعي خالد بن يزيد بن معاوية ليستشيره ، واقرأه الكتاب الذي جاء من الحجاج ، فلما رأي خالد ما به من الجزع ، أراد أن يهون عليه الأمر ، فقال له :
    ( يا أمير المؤمنين : إن كان هذا الحدث من قبل سجستان فلا تخفه ، وان كان من قبل خراسان تخوفته ) ( الطبري 6/338 )
    واخذ عبدالملك يوالي الحجاج بجند الشام . وكان المهلب بن أبي صفرة في ذلك الوقت في خراسان فلما بلغته أخبار الثورة كتب إلي ابن الأشعث يحذره من مغبة العمل الذي أقدم عليه ، وينهاه عن تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم ( السابق6/338)
    . ثم كتب إلي الحجاج بخبرته بأهل العراق ، فقال له :
    ( أما بعد فان أهل العراق قد اقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل ، وليس شئ يرده حتى ينتهي إلي قراره ، وان لأهل العراق شره في أول مخرجهم ، وصبابة إلي نسائهم وأبنائهم ، فليس شئ يردهم حتى يسقطوا إلي أهليهم ، ويشموا أولادهم ، ثم واقفهم عندها . فان الله ناصرك عليهم إن شاء الله ) ( المصدر السابق 6/339) .
    كان هذا الرأي الذي أشار به المهلب ــ صاحب الخبرة بأهل العراق ــ هو الصواب ، فقد أراد أن يوفر علي الحجاج الجهد ، وقد أشار عليه بالرأي نفسه ذادان فروخ (تاريخ خليفة بن خياط ص 281 ) .
    ولكن الحجاج لم يعمل برأي المهلب ، بل اتهمه بالخديعة ، وقال :
    ( لا والله مالي نظر ، ولكن لابن عمه نصح ) ( الطبري 6/339) ولكنه ندم علي ذلك فيما بعد ، عندما تحقق ما أشار به المهلب ، لان ابن الأشعث ما إن دخل البصرة حتى قعد عنه عامة أهلها وركنوا إلي أهلهم ( فقال الحجاج : لله أبوه أي صاحب حرب هو : أشار علينا بالرأي ولكننا لم نقبل ) ( الطبري 340 )
    · كانت بداية الثورة سنة 81 هـ ، وقد هزم ابن الأشعث كل الجيوش التي أرسلها إليه الحجاج ولم تستطع إيقافه فتقدم حتى دخل البصرة فتركها الحجاج وسار إلي الزاوية ، حيث دارت بينهما معركة في المحرم سنة 82 هـ انتصر فيها الحجاج ، فاضطر ابن الأشعث إلي مغادرة البصرة ، فعاد الحجاج إليها . ولكن ابن الأشعث حقق مزيدا من الانتصارات ، وتزايدت جموعه حتى بلغت مائة ألف مقاتل .
    وكان ابن الأشعث لما رأي إقبال الناس عليه واستجابتهم لدعوته ، خلع عبدالملك بن مروان ، وهنا تطورت الثورة تطورا خطيرا ، فتحولت من ثورة علي الحجاج والي العراق إلي ثورة علي الخليفة نفسه .
    وإزاء هذا التطور الخطير شاور عبدالملك خاصة رجاله ، فأشاروا عليه أن يخلع الحجاج ، وقالوا له : ( إن كان إنما يرضي أهل العراق أن ينزع عنهم الحجاج ، فان نزع الحجاج أيسر من حرب أهل العراق ، فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم ) ( الطبري 6/347 ) ، فاقتنع عبدالملك بهذه الفكرة ، وأرسل إلي العراق ابنه عبدالله وأخاه محمدا ، وأمرهما أن يعرضا علي أهل العراق نزع الحجاج ، وان تجري عليهم أعطياتهم كما تجري علي أهل الشام ، وان ينزل ابن الأشعث أي بلد من العراق شاء ، وأن يكون واليا عليه ما دام حيا ، وكان عبدالملك واليا ، فان هم قبلوا ذلك عزل عنهم الحجاج ، وكان محمد بن مروان أمير العراق ، وان أبوا أن يقبلوا الحجاج أمير جماعة أهل الشام وولي القتال ، ومحمد بن مروان وعبدالله بن عبدالملك في طاعته ، كان من الطبيعي أن يستاء الحجاج من هذا ، وعز عليه أن يضحي به عبدالملك بن مروان ، بعد ما قدم له من خدمات . وكتب اليه يذكره بما حدث من أهل العراق مع عثمان بن عفان ، فقال له :
    ( يا أمير المؤمنين لئن أعطيت أهل العراق نزعي لا يلبثون إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك ، ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك ، الم تر وتسمع بوثوب أهل العراق مع الاشتر علي ابن عفان ، فلما سألهم ما يريدون قالوا : نزع سعيد بن العاص ، فلما نزعه لم تقم له السنة حتي ساروا إليه فقتلوه !!! إن الحديد بالحديد يفلح ، خار الله لك فيما رأيت . والسلام عليك ) ( الطبري 6/348)
    غير أن عبد الملك كان مقتنعا بالفكرة ، وان مصلحة الدولة عنده فوق كل اعتبار . ورأي في ذلك منع الحرب . ولكن من حسن حظ الحجاج انه لما عرضت الفكرة علي أهل العراق رفضوها بقوة مع ان ابن الأشعث قبلها ، وحثهم علي قبولها ، كلنهم لم يوافقوه ، بل جددوا خلع عبدالملك ، وظنوا أن الفرصة قد واتتهم للتخلص من الحكم الأموي .
    وبدأ الفريقان يستعدان للقتال ، فاشتبكا في اشهر وقائعهم ــ التي زادت عن ثمانين موقعة ــ في دير الجماجم والتي استمرت مائة يوم حتى حلت الهزيمة بابن الأشعث ، في الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة 83 هـ ثم دارت معركة أخري بعدها في مسكن ، في شعبان من نفس السنة . فهزم ابن الأشعث أيضا ، ثم ولي هاربا إلي سجستان ملتجئا إلي رتبيل للاتفاق الذي كان قد تم بينهما ، ولكن الحجاج هدد رتبيل إن لم يسلم ابن الأشعث ليغزون بلاده بألف ألف مقاتل ، فرضخ للتهديد وعزم علي تسليمه إليه . فلما أحسن ابن الأشعث بغدر رتبيل القي بنفسه من فوق القصر الذي كان فيه ، فمات فاخذ رأسه وأرسلها إلي الحجاج وكان ذلك سنة 85 هـ
    وهكذا انتهت حياة ابن الأشعث الذي قاد اخطر ثورة ضد عبدالملك بن مروان ، أريقت فيها دماء عشرات الألوف من المسلمين ، وهي ثورة دفعت إليها الأحقاد الشخصية المتأصلة في نفس ابن الأشعث والحجاج ، كل منهما للآخر من ناحية ، وبغض أهل العراق للحكم الأموي من ناحية ثانية .

    منقول من كتاب الاستاذ الدكتور :
    عبدالشافي محمد عبداللطيف
    العالم الاسلامي في العصر الاموي
    من ص 504 ــ513
    Eman
    Eman
    Admin
    Admin


    انثى
    عدد الرسائل : 96
    العمر : 31
    تاريخ التسجيل : 09/05/2008

    اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث Empty رد: اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث

    مُساهمة من طرف Eman الإثنين مايو 12, 2008 9:06 pm

    موضوع رائع فى منتهى الجمال والروعة
    شكرا عزيزى عبد الله ... منتداك ينتظر منك المزيد
    avatar
    عبدالله نبيل
    عضو متميز
    عضو متميز


    ذكر
    عدد الرسائل : 68
    العمر : 41
    تاريخ التسجيل : 10/05/2008

    اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث Empty رد: اجمل ما قرات في ثورة ابن الاشعث

    مُساهمة من طرف عبدالله نبيل الثلاثاء مايو 13, 2008 12:02 am

    شكرا اختي ايمان
    علي مرورك الكريم
    وجزاكي الله كل خير
    اسعدني مرورك الكريم

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:05 am