إنتظار
هذه القصة القصيرة أحببت أن أنقلها لكم من مجلة العربي الكويتية (عدد مايو 2008)
كتبها : جاسم الحمود من سوريا وهذه القصة تقول :
" لماذا تأخرت , انتظرك منذ الصباح , استيقظت مع شروق الشمس , جهزت كل شيئ , نظفت غرفتك , رتبتها كما تحب , مسحت زجاج المكتبة و سحبت طاولة المكتب إلى الزاوية التى تحب قرب النافذة وضعت فوقها أوراقها بيضاء و قلم أخضر أعرف أنك تحب الكتابة بالقلم الخضر تكره الأسود لأن لون الليل و الدسائس , و تكره الأحمر لأنه لون الشطب و الدم .... وضعت وسادة المخمل الصغيرة على الكرسي لتجلس كعدتك و راء المكتب قرب النافذة التى تقابل نافذة أمل ابنة الجيران ... تنظر إلى أمل و تنظر إليك تتبادلان أحاديثكما و تهيمان فى عالم آخر ... و فجأة تنسحب أمل ملبية نداءات أمها و تعود أنت لأوراقك البيضاء لتخط بقلمك الأخضر عوالم من الفرح و .... الأمل .
لماذا تأخرت يا وحيدى .... حضرت لك وجبة الغداء التى تفضلها وسكبت الطعام فى الصحون أعرف أنك مهموم .... أمل ابنة الجيران هى السبب أى أمها التى شكت بما يدور خلف النوافذ فصارت تراقب ابنتها لتفاجئها متلبسة ... بحديثها معك !
أعرف أن مشاكل العمل تقلق راحك , يريدون منك أن تقبل الهدايا ... الهدايا التى ستجعلك من رجال البنوك و الأرصدة و الشيكات .
لا يعرفون أنك لن تستجيب لهم .... يعتقدون أنهم سيتمكنون من إقناعك , انا متأكدة أنهم سيفشلون
أعرف أنك حزين و عاتب على أبيك لأنه لم يسأل عنك منذ ولدت ... نسى أن له ولدا هنا ... ذكرتنى بالماضى كنت أجمل بنات البلدة و أبوك كان أجمل شباب البلدة و أكثرهم فتوة و مرحا ... وكان لابد ان نلتقى و التقينا .. التقت العيون ثم القلوب و اشتهر حبنا و صار حديث الناس.
عندما طلب منك أبوك من أهله أن يذهبوا معه ليخطبني رفض أهله و ... تعالت أصواتهم : كنا نظنه يتسلى معها .... كيف لابن العائلة المجيدة كريمة الحسب و النسب أن يتزوج من فتاة عادية من أسرة فقيرة ؟ كيف يترك بنات الأصلية عائلات الأمراء و الشيوخ و يلحق فتاة تسكن مع أهلها فى غرفة من الطين ؟
لماذا تأخرت الشمس قاربت على الغروب و أنت لم تأت كل شيء جاهز ... وضعت طاولة الخشب و الكراسي تحت الدالية جهزت إبريق الشاى .. اعرف أنك لن تأتى وحدك , سيأتى معك أصحابك كالعادة ستجتمعون حول إبريق الشاى تقرأون القصائد و تغنون المواويل و تتحدثون عن أحوال البلد و تتجادلون فى السياسية ... تتألق بينهم و أنت تتحدث بحماس و ثقة فأراك أميرا ... ملكا وسط حاشيته .
أعرف أنك عاتب على أبيك لأنه هجرنى .. انت تعرف ان أهله رفضوا زواجه منى بشدة تحداهم و تزوجنى رغما عنهم وضعهم أمام واقع لا مفر منه ... اجتمع مجلس العائلة الكريمة و اتفق الجميع على قرار واحد .. وضعوا أباك أمام خيارين : إما أن يطرد من البلدة و يحرم من الميراث و يسلخ عن العائلة أو يقبل بقرارهم ... ضغطوا عليه قبل قرارهم ونفذه و عندما علمت بالأمر طلبت منه أن يطلقنى .
لماذا تأخرت ؟ أسمع أصوات الزغاريد في بيت أمل ... الخبر صحيح جاءها عريس لكن تأكد أنها لن توافق هى وعدتنى أن تنتظرك ... أبوك لم ينتظر تزوج بعد أن طلقنى من إبة عمه و صار عنده حشد من الأولاد .
لماذا تأخرت ؟ سينتصف الليل و أنت لم تأت بعد ... تعال لن تكون مهموما او حزينا ... تعال فى الصباح الباكر سأذهب إلى أهل أمل و أخطبها لك ... لن يسع العالم فرحتها ... تعال , أبوك سيتذكر أن له ولدا و سيأتى ليبارك زواجك ... سيأتى أصحابك و يرقصون ابتهاجا بعودتك .
لماذا تأخرت و تركتنى وحيدة ؟ تعلم أن الذكريات الحزينة تحاصرني عندما أبقى وحيدة ... انتصف الليل , لا تتركنى عرضة للوساوس و الهموم ... ها هى دقات الساعة تعلن الواحدة ليلا أخشى أن يطلع الفجر و أبدأ رحلة إنتظار جديدة .... أشى أن تواجهنى أشعة الشمس لأجد نفسي وحيدة أمام الحقيقة المرة :
أ الجيران ليست لديهم ابنة اسمها أمل و أن أباك قبل قرار العئلة .... العائلة التى قبلت الزواج بشرط ألا تعكر دماء العائلة النقية و ألا يصبح لابنها ذرية من إمرأة فلاحة .
أخشى أن أواجه الحقيقة المرة التى هربت منها ثلاثين عاما الحقيقة التى اكتشفتها بعد أن استعدت وعيى فى المشفى : أن عملية أجريت لى وأن الرحم قد استؤصل
كتبها : جاسم الحمود من سوريا وهذه القصة تقول :
" لماذا تأخرت , انتظرك منذ الصباح , استيقظت مع شروق الشمس , جهزت كل شيئ , نظفت غرفتك , رتبتها كما تحب , مسحت زجاج المكتبة و سحبت طاولة المكتب إلى الزاوية التى تحب قرب النافذة وضعت فوقها أوراقها بيضاء و قلم أخضر أعرف أنك تحب الكتابة بالقلم الخضر تكره الأسود لأن لون الليل و الدسائس , و تكره الأحمر لأنه لون الشطب و الدم .... وضعت وسادة المخمل الصغيرة على الكرسي لتجلس كعدتك و راء المكتب قرب النافذة التى تقابل نافذة أمل ابنة الجيران ... تنظر إلى أمل و تنظر إليك تتبادلان أحاديثكما و تهيمان فى عالم آخر ... و فجأة تنسحب أمل ملبية نداءات أمها و تعود أنت لأوراقك البيضاء لتخط بقلمك الأخضر عوالم من الفرح و .... الأمل .
لماذا تأخرت يا وحيدى .... حضرت لك وجبة الغداء التى تفضلها وسكبت الطعام فى الصحون أعرف أنك مهموم .... أمل ابنة الجيران هى السبب أى أمها التى شكت بما يدور خلف النوافذ فصارت تراقب ابنتها لتفاجئها متلبسة ... بحديثها معك !
أعرف أن مشاكل العمل تقلق راحك , يريدون منك أن تقبل الهدايا ... الهدايا التى ستجعلك من رجال البنوك و الأرصدة و الشيكات .
لا يعرفون أنك لن تستجيب لهم .... يعتقدون أنهم سيتمكنون من إقناعك , انا متأكدة أنهم سيفشلون
أعرف أنك حزين و عاتب على أبيك لأنه لم يسأل عنك منذ ولدت ... نسى أن له ولدا هنا ... ذكرتنى بالماضى كنت أجمل بنات البلدة و أبوك كان أجمل شباب البلدة و أكثرهم فتوة و مرحا ... وكان لابد ان نلتقى و التقينا .. التقت العيون ثم القلوب و اشتهر حبنا و صار حديث الناس.
عندما طلب منك أبوك من أهله أن يذهبوا معه ليخطبني رفض أهله و ... تعالت أصواتهم : كنا نظنه يتسلى معها .... كيف لابن العائلة المجيدة كريمة الحسب و النسب أن يتزوج من فتاة عادية من أسرة فقيرة ؟ كيف يترك بنات الأصلية عائلات الأمراء و الشيوخ و يلحق فتاة تسكن مع أهلها فى غرفة من الطين ؟
لماذا تأخرت الشمس قاربت على الغروب و أنت لم تأت كل شيء جاهز ... وضعت طاولة الخشب و الكراسي تحت الدالية جهزت إبريق الشاى .. اعرف أنك لن تأتى وحدك , سيأتى معك أصحابك كالعادة ستجتمعون حول إبريق الشاى تقرأون القصائد و تغنون المواويل و تتحدثون عن أحوال البلد و تتجادلون فى السياسية ... تتألق بينهم و أنت تتحدث بحماس و ثقة فأراك أميرا ... ملكا وسط حاشيته .
أعرف أنك عاتب على أبيك لأنه هجرنى .. انت تعرف ان أهله رفضوا زواجه منى بشدة تحداهم و تزوجنى رغما عنهم وضعهم أمام واقع لا مفر منه ... اجتمع مجلس العائلة الكريمة و اتفق الجميع على قرار واحد .. وضعوا أباك أمام خيارين : إما أن يطرد من البلدة و يحرم من الميراث و يسلخ عن العائلة أو يقبل بقرارهم ... ضغطوا عليه قبل قرارهم ونفذه و عندما علمت بالأمر طلبت منه أن يطلقنى .
لماذا تأخرت ؟ أسمع أصوات الزغاريد في بيت أمل ... الخبر صحيح جاءها عريس لكن تأكد أنها لن توافق هى وعدتنى أن تنتظرك ... أبوك لم ينتظر تزوج بعد أن طلقنى من إبة عمه و صار عنده حشد من الأولاد .
لماذا تأخرت ؟ سينتصف الليل و أنت لم تأت بعد ... تعال لن تكون مهموما او حزينا ... تعال فى الصباح الباكر سأذهب إلى أهل أمل و أخطبها لك ... لن يسع العالم فرحتها ... تعال , أبوك سيتذكر أن له ولدا و سيأتى ليبارك زواجك ... سيأتى أصحابك و يرقصون ابتهاجا بعودتك .
لماذا تأخرت و تركتنى وحيدة ؟ تعلم أن الذكريات الحزينة تحاصرني عندما أبقى وحيدة ... انتصف الليل , لا تتركنى عرضة للوساوس و الهموم ... ها هى دقات الساعة تعلن الواحدة ليلا أخشى أن يطلع الفجر و أبدأ رحلة إنتظار جديدة .... أشى أن تواجهنى أشعة الشمس لأجد نفسي وحيدة أمام الحقيقة المرة :
أ الجيران ليست لديهم ابنة اسمها أمل و أن أباك قبل قرار العئلة .... العائلة التى قبلت الزواج بشرط ألا تعكر دماء العائلة النقية و ألا يصبح لابنها ذرية من إمرأة فلاحة .
أخشى أن أواجه الحقيقة المرة التى هربت منها ثلاثين عاما الحقيقة التى اكتشفتها بعد أن استعدت وعيى فى المشفى : أن عملية أجريت لى وأن الرحم قد استؤصل